رواية الضحكة الأخيرة ✨





إهداء : 
إلى هؤلاء الذين تجرعوا من مرارة الحياة بما يكفي ليقسموا على الإنتقام .

- أفروديت -




- نبذة عن الرواية :
في ليلة ممطرة كئيبة ، ثلاث طالبات جامعيات يدخلن أحد مواقع الإنترنت المظلمة و المشبوهة ، ليجدن أنفسهن أمام سلسلة من الأحداث المرعبة و الغامضة .

- الفصل الأول :
- أين كنت طوال هذا الوقت ؟ سألت ريان ، صديقتها و زميلتها في الغرفة لينا ، التي دخلت في وقت متأخر من الليل ، و قد سال مكياجها ، و تبللت ثيابها بسبب الأمطار الغزيرة في الخارج .
- مع إلياس ، ردت  في غير إكتراث ، كنا نستمتع بوقتنا و لم ننتبه إلى الساعة .
كانت لينا  في العشرين من العمر ، طالبة جامعية تدرس المحاسبة في السنة الثالثة ، و هي فتاة قصيرة القامة ، رشيقة العود ، ذات عيون بنية واسعة و شعر أشقر قصير ، و أول ما يلفت الناظر إليها ، هو الغمازة التي تظهر بشكل واضح عندما تبتسم ، و رغم أن ملامح وجهها عادية ، إلا أنها تتمتع بجاذبية خارقة . أما إلياس فقد كان حبيبها في الثلاث سنوات الأخيرة .
-  إنها التاسعة و النصف ، ستقعين في ورطة كبيرة يوما ما ، بسبب تصرفاتك الطائشة ، لن يغفر لك حراس الإقامة هذا الإستهتار في كل مرة ، عاتبتها ريان .
ريان في الثامنة عشر ، طالبة جامعية هي الأخرى ، تدرس الرياضيات ، في السنة الأولى ، و رغم صغر سنها ، إلا أنها كانت فارعة الطول ، ممتلئة القوام ، ذات عيون سوداء ضيقة ، بسبب أجفانها المبطنة ، تملك شعرا أسودا حريريا يصل إلى أسفل ظهرها ، و رغم تناسق ملامح وجهها ، إلا أنها لم تكن جميلة بسبب حب الشباب الذي تعاني منه . - يا إلهي ، يا ريان توقفي عن التصرف و كأنك أمي ، صاحت لينا في إنزعاج ، لقد سئمت من تبرير تصرفاتي لك في كل مرة .
- من الذي يبرر تصرفاته ؟ قالت جيهان و هي تدخل الغرفة .
- أين كنت أنت أيضا ؟ نظرت إليها لينا نظرة جانبية متسائلة .
- في الحمام ، رفعت حاجبيها مستغربة ، ما الذي يحدث ؟
 - لا شيء ، أجابت ريان ، تنهي الشجار قبل أن يبدأ . 
و نظرت جيهان إليهما في تعجب ، إلا أن كل منهما تجاهل هذه النظرات و راح يهتم بشؤونه الخاصة .
جيهان في التاسعة عشر من العمر ، تدرس التجارة ، في السنة الثانية ، تبدو أقل من عمرها بكثير بسبب قامتها القصيرة و جسمها النحيل ، تملك عيونا خضراء واسعة ، و شعرا كستنائي اللون ، لم تكن تبتسم كثيرا بسبب تقويم الأسنان الذي تضعه ، إذ كانت تخجل من أسنانها البارزة .
كان كل من ريان ، لينا و جيهان ، طالبات جامعيات ، يتشاركون إحدى غرف الإقامة الجامعية ، و لم يكن قد مضى سوى ثلاثة أشهر من تعارفهم ، و لكنهم أصبحوا أعز الصديقات ، رغم الشجارات التي تنشب بينهم أحيانا .
- من منكما ستعود إلى بيت عائلتها في نهاية الأسبوع ؟ إستفسرت لينا بعد أن أوت إلى فراشها .
- لست أنا ، أجابت ريان و قد أغلقت حاسوبها إستعدادا للنوم ، لن أجد متسعا من الوقت للدراسة إن أنا عدت إلى بيتي .
- لن أعود أيضا ، ردت جيهان ، حالة الطقس سيئة ، و الأمطار لا تتوقف .
- بالحديث عن المطر ، قالت لينا ، هل تعلم إحداكما أين أجد مكياجا ضد للماء ؟
كتمت ريان ضحكتها قبل أن تجيب : - ربما يجب أن تتوقفي عن وضع الماكياج المبالغ فيه في مواعيدك الغرامية ، و توفري أموالك .
ضحكت لينا بدورها و قالت : - أتمنى لو أستطيع فعل ذلك ، و لكن إلياس لم يرى وجهي الطبيعي أبدا ، و لست أرغب أن يراه. 
- و ماذا ستفعلين عندما تتزوجان ؟
 إستغربت جيهان ، هل ستنامين بالماكياج و تستيقظين به ؟
- أوه لا تتصرفي ، و كأنه سيتزوجني ، تنهدت لينا في حسرة ، إنه لا يود حتى أن يتقدم لخطبتي .
- و لماذا تضيعين وقتك معه إذن ؟
 - لأنني أحبه ، رفعت لينا كتفيها في غير إكتراث .
- إنك تثيرين حيرتي كثيرا ، يا لينا .
- ريان ، أ لن تتوقفي أبدا عن التصرف كمسنة ، و تستمتعي بالحياة قليلا .
- و هل الإستمتاع بالحياة ، يعني التورط في مثل هذا النوع من العلاقات ؟ 
- ما رأيكم أن نشاهد فيلما ؟ قاطعت جيهان حوارهما .
- أجل لما لا ، ردت لينا .
- كلا ، يجب أن نستيقظ باكرا في الصباح ، تذمرت ريان .
- إنها العاشرة و حسب ، سننام قبل منتصف الليل ، و نستيقظ في السابعة ، و حينها سنحصل على سبع ساعات نوم ، أظن أنها كافية ، طمأنتها جيهان .
- حسنا ، وافقت ريان على مضض .
- لقد رأيت في الصباح إعلانا ل فيلم رومانسي جميل ، راحت جيهان تتحدث و هي تشغل حاسوبها ، أظن أننا يجب أن نشاهده .
- أوه ، كلا ، لنشاهد فيلم رعب ، صاحت لينا .
- هل أنت جادة ؟؟ إستغربت جيهان ، لكنك لا تحبين هذا النوع .
- أجل ، و لكنني قررت تجربته اليوم ، أ لديك مانع ؟
 - لا ، على الإطلاق ، إبتسمت جيهان ، سأبحث عن فيلم جيد من أجلك .
- شكرا لك .
و راحت جيهان تبحث عن فيلم مناسب من أجل لينا ، بينما أحضرت ريان بعض الوجبات الخفيفة ، و جلسوا جميعاً فوق سرير جيهان ، في وضعية غير مريحة بعض الشيء .
- ما هذا ؟ سألت ريان ، و هي تتناول بعض المملحات .
- ماذا تقصدين ؟ ردت جيهان .
أشارت ريان بإصبعها إلى إعلان صغير كان ظاهرا أسفل الشاشة .
- أوه إنهم يعرضون منتجات تجميلية ضد الماء ، هتفت لينا ، يا للصدفة الجميلة .
- هذا غريب ، ضحكت جيهان و كأنهم يتجسسون علينا .
- إضغطي على الإعلان ، أعقبت لينا على كلامها في إصرار .
- و لكن لماذا ؟ - أ لا ترين أنهم يعرضون تخفيضات ، لنلقي نظرة .
- أنت لا تعرفين هذه الماركة حتى !
- بل أعرفها ، إنها محلية و لطالما أردت تجربة منتجاتهم .
- و لكنك تعلمين إن أنا ضغطت الإعلان سينتهي بنا الأمر في دوامة من الإعلانات الأخرى ، ترددت جيهان .
و لم تبال لينا بقولها ثم ضغطت على الإعلان رغما عنها و في غمضة عين كانوا أمام صفحة تعرض أنواعا مختلفة من مستحضرات التجميل .
- أ رأيت ! لم يحدث شيء ، إبتسمت لينا ، لقد نقلت لك ريان عدوى التذمر .
و تجاهلت ريان ملاحظتها ، بينما قالت جيهان : - حسنا ، ألقي نظرة بسرعة ، ثم دعينا نشاهد الفيلم ، لا تضيعي الكثير من الوقت .
- أوه ، أنظري ، و أشارت لينا إلى إعلان آخر ، ثم قرأت بصوت مرتفع : " إكتشف ماذا يخبئ لك المستقبل بنقرة واحدة " 
- يا للسخافة ، تأففت ريان ، لا تخبريني أنك تصدقين هؤلاء الدجالين .
- كلا ، و لكنني فضولية .
- لينا ، لو تركنا العنان لفضولك ، سنضغط على كل إعلان نصادفه الليلة ، صاحت جيهان .
- هيا ، أ لا تريدون أن تعرفوا ماذا يحمل لكما الغد من مفاجآت ، أضافت لينا ، أ لا تريدين أن تعلمي إن كان يبادلك أكرم الإعجاب يا جيهان .
و إضطرمت وجنتاها خجلا و هي تنكر قائلة: - لست معجبة به . - و أنت يا ريان ، أ لا تودين أن تعرفي ما إذا كنت ستنجحين في إختبار السياقة هذه المرة .
- لن نخسر شيئا لو ألقينا نظرة سريعة ، ردت ريان غير مبالية .
- إنك ستملئين حاسوبي ب الفيروسات يا لينا ، تذمرت جيهان .
- لا تقلقي بشأن ذلك ، هل أنت موافقة ؟
- نوعا ما .
- أحبك يا فتاة ، ضحكت لينا ، و نقرت على الإعلان .
و بعدة عدة ثواني ، إنبثقت صفحات عديدة ، بعضها إعلانات خليعة ، و أخرى تعرض ألعاب الفيديو الحديثة ، و العديد من المنتجات الغريبة ، ثم أغلقت كل هذه الصفحات تلقائيا ، و ظلت صفحة واحدة على الشاشة ، يتوسطها مستطيل صغير أبيض ، عَلَتهُ عبارة تقول " أدخل إسمك " 
- أدخلي إسمك يا لينا ، همست ريان في أذنها بشكل مريب .
- لا لن أكتب إسمي أنا ، إقترحا علي إسما مزيفا .
- ما رأيك ب فرح ؟ أو إلهام ؟ أو أميرة ؟
- حسنا ، سأكتب إسم أميرة .
و ضغطت على حروف لوحة المفاتيح بخفة ، لكن الإسم رُفِض ، و أضاءت الشاشة بلون أحمر ، و ظلت الفتيات تتبادلن النظرات فيما بينهن في إستغراب ، و سرعان ما ظهرت نافذة أخرى ، في شكل رسالة ، مكتوب فيها ؛ " لم أعلم أن الكذب من شيمك يا عزيزتي لينا " 
و علا الفزع وجه لينا ، و دفعت الحاسوب عنها بعنف بالغ، فوقع على الأرض ، و تحطم جزء كبير من شاشته .
- يا إلهي يا لينا ما خطبك ؟ هتفت ريان بعد أن أسرعت تتفقد حاسوبها .
- هل رأيتم ذلك ؟؟ أخبروني هل رأيتم ذلك ؟ صرخت لينا و هي ترتجف .
- إهدئي يا فتاة ، أمسكتها ريان من كتفيها .
- إبتعدي عني ، هبت لينا واقفة .
- لينا هذه محض خدعة سخيفة ، لما أنت خائفة هكذا ؟ - لقد عرف إسمي ، كيف تمكن من ذلك ؟؟
- ربما إخترق كاميرا الويب .
- و من قد يفعل ذلك ؟ 
- لا أدري إن هؤلاء الشبان مهوسوون بالتكنولوجيا ، سبق و أن سمعت عن مقلب مثل هذا .
- لا ريب أنه شخص يعرفني ، جلست لينا بعد أن هدأت قليلا ، هل يعقل أنه إلياس ؟ 
- أتمنى أن يكون هو ، تمتمت جيهان في غضب ، سيدفع تكاليف إصلاح حاسوبي حينئذ .
- أنا آسفة بشأن حاسوبك ، إعتذرت لينا في برود .
- لا عليك ، ردت جيهان بنفس النبرة .
- هل لا يزال يعمل ؟ سألت ريان في فضول كبير .
- أجل ، و لكن الشاشة تحطمت ، قالت جيهان و هي تتفحص الحاسوب .
- ما كان يجدر بنا أن ندخل المواقع المشبوهة ، صاحت ريان و هي تجهز فراشها للنوم ، غير آبهة بما حولها .
- لن أستطيع النوم الليلة أبدا ، إرتعدت لينا خوفا .
- هل إتصلت ب إلياس ؟ إستفسرت جيهان .
- إن هاتفه مغلق .
- أغلب الظن أنه هو صاحب هذا المقلب السخيف ، همست ريان بصوت ناعس ، هو أو أكرم غريب الأطوار ذاك .
- من ، أكرم ؟ إستغربت لينا .
- الشاب  اللعوب الذي يعمل في المطعم الجامعي .
فنظرت إليها لينا مصدومة قبل أن تقول : - و لكنه لا يعرفني شخصيا .
- لا يهم ، إنه يستهدف الفتيات عشوائيا ، و كثيرا ما يبتزهم بصورهم . ردت ريان و قد أغلقت عينيها .
- لا أصدق أنها نامت في مثل هذا الموقف ، همست لينا .
- ليس هناك شيء يدعو للقلق ، طمأنتها جيهان ، حاولي أن تنامي أنت بدورك .
- هل تعتقدين أنه أكرم حقا ؟
- أجل على الأغلب ، سمعت الكثير من الشائعات عن أعماله القذرة .
- و ما العمل إذن ؟
- تجاهليه و حسب .
- هل يعقل أنه هو من أنشأ ذلك الموقع اللعين ؟
- ربما . خلدت جيهان إلى فراشها هي الأخرى .
لكن لينا لم تستطع النوم وظلت جالسة فوق مقعد بجانب مكتبها ، تتأمل شاشة هاتفها ، في إنتظار إتصال أو رسالة من إلياس ، يعترف فيها بمزحته الثقيلة ، و بعد أقل من ساعتين ، غطت في نوم عميق فوق مكتبها .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
- لينا إستيقظي ، هزتها جيهان بعنف ، لقد تأخر الوقت .
- كم الساعة ؟ تثاءبت لينا قائلة .
- إنها الثامنة و النصف ، لقد فوتنا المحاضرة الأولى . أجابت جيهان في توتر كبير ، و هي تبحث عن كتبها .
- يا إلهي ، لقد ضبطت المنبه ، ما الذي حدث ؟
- لا أدري ، لم أسمعه ، إرتدت جيهان ملابسها بسرعة .
- و لكن مهلا ، أين ريان ؟ 
- لا فكرة لدي ، عندما إستيقظت لم تكن موجودة .
- إنها هذا تصرف أناني منها ، لماذا لم توقظني ؟ أو توقظك ؟
 - لا أعلم ، سنسألها لاحقا ، جهزي نفسك بسرعة ، و خرجت جيهان من الغرفة في عجلة .
و شعرت لينا بصداع رهيب لا تدري له سببا ، و نهضت من مقعدها في صعوبة ، متجهة إلى الحوض كي تغسل وجهها ، ف اندهشت من الهالات السوداء المحيطة بعينيها و تساءلت في أي ساعة نامت ، و لكنها لم تتذكر ، و فجأة أصيبت بنزيف في الأنف ، و راح الدم ينهمر على شفتيها بغزارة ، و عندما فتحت الحنفية ، لم تخرج قطرة ماء واحدة .
- يا للحظ العاثر ، تذمرت لينا ، و هي تبحث عن مناديل ورقية ، توقف بها النزيف الحاد الذي أصابها ، و بصعوبة عثرت على إحداها بين أغراض ريان ، فوضعتها على أنفها و ضمتها بقوة ، ثم راحت تتأمل أرضية الغرفة التي تلطخت بدمائها ، و قالت في نفسها إن جيهان ستقتلها لو رأت هذه الكارثة . و ما لبثت أن سمعت رنين هاتفها ، فأسرعت لكي ترد ، و كما توقعت فقد كان إلياس المتصل .
- صباح الخير حبيبي ، حاولت لينا أن تجعل صوتها هادئا و عذبا .
- لينا ، هل يمكنك أن تأتي لرؤيتي ؟؟ إنني في المشفى لقد تورطت في شجار مع أحدهم الليلة الماضية ، و أصابني إصابات بالغة ، لا أظن أنني سأنجو منها ، تحدث إلياس في صوت جاف .
- يا إلهي، يا إلياس ، لما فعلت هذا بنفسك ، أنا قادمة على الفور ، أين أجدك ؟
- إسئلي موظفة الإستقبال ، قالها و أغلق الخط .
و لوهلة شعرت لينا بأنه سيغمى عليها ، لكنها تمالكت نفسها ، و غيرت ثيابها ، ثم تخلصت من المنديل الذي كان في منخرها ،إذ توقف النزيف أخيرا ، و خرجت لاهثة ، ثم ركبت أول سيارة أجرة وجدتها في طريقها إلى المشفى .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
وصلت إلى وجهتها بعد حوالي خمسة عشر دقيقة ، و ركضت مسرعة إلى مكتب الإستقبال ، و سألت عن غرفة إلياس ، إلا أن العاملة لم تجد أي مريض يوافق هذا الإسم .
- هل أنت متأكدة من الإسم ، يا سيدتي ؟
- نعم ، أنا متأكدة تماما ، أخبرني بأنه دخل إلى هنا الليلة الماضية ، بسبب إصابات تعرض لها أثناء شجار .
و رفعت العاملة حاجبيها مستغربة قبل أن ترد : - و لكننا لم نستقبل أي حالات مستعجلة كهذه ليلة الأمس .
و عضت لينا على شفتيها في توتر ثم إعتذرت من العاملة و قالت أنها ربما تكون قد أخطأت العنوان ،و غادرت .
سأتصل به مرة أخرى ، هل يعقل أنه دخل عيادة خاصة ؟ تساءلت لينا في نفسها ، و هي تحاول الإتصال به ، لكنه لا يرد . و تفاجأت حين وجدت عدة إتصالات فاتتها من جيهان ، و بما أنها لم تكن في مزاج جيد للحديث ، لم تعاود الإتصال بها .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
بعد حوالي ساعة ، كانت لينا في المدرسة الإبتدائية التي يعمل بها إلياس ، إذ كانت وسيلتها الوحيدة لتطمئن عليه لأنه كان يرفض أن يعلم أي شخص بعلاقتهما فلم يكن بوسعها السؤال عنه ، أو الذهاب إلى منزله العائلي ، و ظلت واقفة على مقربة من البوابة ، على آمل أن تراه خارجا بعد نهاية الدوام ، و لكن أملها خاب و هي ترى البوابة قد أغلقت بعد خروج الجميع ما عداه هو .
فعادت أدراجها و هي تحمل خيبتها معها ، و طوال ذلك الوقت لم تنقطع إتصالات جيهان أبدا ، و رغم أن لينا لم تعرف لها سببا ، لم يكن في ودها أن ترد .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
كانت جيهان تذرع أرضية الغرفة ذهاباً و إيابا ، ماسكة هاتفها بعصبية شديدة ، و علامات الفزع تعلو وجهها ، تحاول الإتصال مرارا و تكرارا ب لينا التي لا ترد .
و لم يمضي سوى ساعتين حين عادت إلى الغرفة ، لتجد السجادة الرمادية اللون التي تتوسط الغرفة ملطخة بالدماء ، و من تلك اللحظة و هي تتصل بزميلتيها كي تستفسر عن مصدر تلك الدماء ، إلا أن هاتف ريان كان مغلقا ، بينما لينا لا ترد ، و رغم أنها كانت تصر على عدم المبالغة في التفكير ، إلا أنها لم تتمكن من السيطرة على مخاوفها ، و بدأت دموعها تنهمر بغزارة ، و وقعت في حيرة من أمرها ، لا ترى لمشكلتها مخرجا . و ما هي إلا بضعة دقائق أخرى ، حتى سمعت صوت المفتاح يدخل في قفل الباب ، فهبت مسرعة لتفتحه .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
- لما لم تردي على إتصالاتي ؟؟ إندفعت جيهان و أمسكت لينا من كتفيها بعنف .
- يا إلهي ، يا فتاة ما بك ؟
- أ تعلمين بشأن هذه الدماء ؟ و أشارت جيهان إلى السجادة .
- أجل ، لقد أصبت بنزيف حاد من أنفي في الصباح .
- تبا لك ، لما لم تخبريني ؟؟ و جلست جيهان فوق كرسي بقربها ، بعد أن دفنت وجهها بين يديها ثم أضافت : - لقد تملكني رعب لا يوصف عندما رأيتها ، ظننت أن مكروها قد حدث لك أو ل ريان .
- أنا آسفة جدا بشأن هذه الفوضى ، لقد خرجت مسرعة و نسيت أن أنظف خلفي .
- و لكن أين ذهبت بحق السماء ؟ لم يرك أحد هذا اليوم .
- كنت في المشفى ، وردني إتصال من إلياس في الصباح ينبئني فيه بأنه تعرض لإصابات خلال شجار تورط فيه .
- يا إلهي ، هل هو بخير ؟
- لا أعلم ، تنهدت لينا في أسى ، لم أجد له أثرا في المستشفى ، و لا في مقر عمله .
- هذا لا يصدق ! إستغربت جيهان ثم تابعت قولها : هل يعقل أنه كان مقلبا آخر ؟ - لست أفهم ما الذي يجري ، هذه الأعمال الصبيانية ليست من شيمه .
- أحدهم يطرق الباب ، وقفت جيهان قائلة ، و إتجهت لتفتحه .
- هل تقيم ريان في هذه الغرفة ؟ سألتها إحدى الطالبات
- نعم و أنا زميلتها .
- هلا تفضلت معي إلى الإدارة ؟ - و لكن لماذا ؟
- إنه أمر يتعلق ب ريان .
و نظرت جيهان إلى ساعتها في ريبة قبل أن تبدي موافقتها و ترافق الفتاة . و بعد عدة دقائق لحقت بها لينا ، إذ كانت تشعر بفضول كبير ، و لكنها وجدتها واقفة بجانب مدخل الإدارة و هي شاردة .
- ماذا هناك ؟ إستفسرت لينا بلطف .
و رمقتها جيهان بنظرة غاضبة قبل أن تجيب : - ريان مفقودة .

- الفصل الثاني : 
و كان صوت لينا خاليا من أي إنفعال و هي تسأل : - ماذا تعنين بمفقودة ؟
- أعني أنهم لم يجدوا لها أي أثر و لا أحد يعلم مكانها .
- أ ليس الوقت مبكرا قليلا لقول هذا ؟ أقصد أنها يمكن أن تكون قد خرجت للتسوق أو عادت إلى بيتها بسبب حالة عائلية طارئة ، سأتصل بها .
- لا داعي لذلك ، أوقفتها جيهان ، لقد عثروا على هاتفها على إحدى المقاعد الموجودة في الباحة الخلفية ، و هو محطم كليا .
- يا إلهي ، هل يعقل أنها تعرضت لمكروه ؟؟
و نظرت إليها جيهان فزعة و أجابت: - لا أستطيع تخيل ذلك حتى .
- أ لم يروها أبدا ؟؟ - ليس على حد علمي .
- يجب أن نرى تسجيلات الكاميرا هذا الصباح ، لنعلم في أي ساعة خرجت .
- أنت محقة ، يجب أن تتحدثي مع ذلك الحارس الذي دوما ما يسمح لك بالدخول متأخرة .
- كنت أنوي ذلك ، هيا بنا .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
- إذن ، ماذا تريدين يا آنستي الجميلة ، قال الحارس و هو يدخن سيجارته ، بعد أن تفحص لينا من قمة رأسها إلى أخمص قدميها .
و رغم أنها تقززت من نظراته الوقحة ، إلا أنها لم تملك حلا آخر سوى التظاهر باللطف ، و سألته في أدب بالغ : - أريد إلقاء نظرة على تسجيلات الكاميرا هذا الصباح ، هل هذا ممكن ؟
فإبتسم لها إبتسامة عريضة كشفت عن أسنانه المتراصة فوق بعضها ،و مرر لسانه فوق شفتيه ثم قال : - بالطبع ،ولكن كما تعلمين لكل طلب مقابل .
و أصبحت ملامح لينا أكثر جدية و قالت : - كم يجب أن أدفع لك ؟
- أوه ، كلا لا يتعلق الأمر بالمال يا عزيزتي ، إنما أريدك أن تخرجي في موعد معي .
و ودت لينا لو تصفعه صفعة لا يفيق من بعدها ، إلا أنها حافظت على هدوئها و ردت : - لا أظن أنني أستطيع ذلك ، و لكن بإمكاني تدبر موعد لك مع إحدى صديقاتي الجميلات .
- و لكنني أريدك أنت ، أطفأ الحارس سيجارته ، ثم وقف و أمسك يدها ، و همس قائلاً : - جمالك وحدك من يستطيع إثارتي .
فسحبت لينا يدها من بين يديه و صفعته بكل قوتها ثم صرخت في وجهه : - لا تتجرأ على لمسي مرة أخرى يا حقير . و خرجت على أعقاب تلك الصفعة ، و لم تبال بالشتائم التي وجهها إليها .
- يا إلهي ، يا لينا ، إنك شجاعة جدا ، لحقت بها جيهان و هي تلهث ، لم أعلم أنك تملكين الجرأة على توجيه صفعة لرجل .
- ذلك المنحرف ليس رجلا أبدا .
- أ لست خائفا من أن يورطك في مشاكل؟
- لا أهتم ، رفعت لينا كتفيها غير مبالية ، ثم وقفت تحدق في الأرض بضعة دقائق ، و قد تذكرت ما يمكن أن يسبب لها الحارس من متاعب .
- ما العمل الآن ؟ قطعت جيهان الصمت الذي ران بينهما لبضع دقائق .
- لا أدري ، هل بلغوا الشرطة ؟
- أخبرتني المديرة ، أنها إن لم تظهر قبل غروب الشمس ، فستبلغ البوليس .
و نظرت لينا إلى ساعتها قبل أن تقول : - بقيت ساعتان على غروب الشمس .
- أتمنى من أعماق قلبي ، ان تعود قبل ذلك .
- و أنا أيضا ، هيا بنا إلى غرفتنا .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
جلست لينا على الأرض تنظف البقع المتسخة من السجادة ، بينما راحت جيهان تراقبها في صمت ، و هي تشرب الشاي ، و كان كل منهما يختلس النظر إلى الساعة الجدارية  بين الحين والآخر .
- أ لم تتلقي أي إتصال من إلياس ؟ 
و نظرت إليها لينا معاتبة و كأنها تلومها لأنها ذكرتها به ثم هزت رأسها نفيا .
- أ لا تجدين هذا الأمر غريبا ؟ 
و لم تجب لينا بل تنهدت تنهيدة مسموعة .
- بقيت أربعون دقيقة ، إستمرت جيهان في الكلام ، محاولة أن تشغل ذهنها .
- هلا ناولتني قدحا من الشاي ؟ طلبت لينا بعد إن إنتهت من التنظيف أخيرا . - طبعا ، قدمت لها جيهان الفنجان وهي ترتجف .
- يا إلهي ، يا جيهان تمالكي أعصابك .
- إنني متوترة جدا .
- و أنا أيضا ، لكن لا تقلقي سيكون كل شيء على ما يرام .
- هل أنت متأكدة ؟ و شدت جيهان على يدها في قلق.
- بالطبع ، تصنعت لينا المرح ، أنت تعرفين ريان مثلما أعرفها ، إنها أشبه بتلك العجوز الحكيمة التي لا تقدم على أي مخاطرة .
- أ تظنين أن كل هذا حدث لأننا دخلنا إلى ذلك الموقع المشؤوم؟
- لا تتحدثي عنه مرة أخرى أبدا ، زجرتها لينا في قسوة بالغة.
و إندفعت جيهان تبكي و هي تقول : - كل هذا خطأك ، ما كان يجب أن ندخل إليه ، لقد حذرتك ، لكنك أصريت على ذلك .
- لا تتفوهي بالتراهات يا جيهان ، لا دخل لذلك بأي شيء يحدث الآن .
و في خضم ذلك الشجار ، وقعت زجاجة الماء على الأرض دون سابق إنذار ، و تحطمت إلى أجزاء صغيرة ، و حين نظرت جيهان إلى أجزائها المنثورة فوق السجادة لم تلبث أن أطلقت صيحة صغيرة .
و تبادلت النظرات هي و لينا في فزع ، و هما يحدقان في بقع الدم التي عادت إلى مكانها على السجادة .
- أ لم تنظفيها منذ دقائق ؟
- بلا فعلت ، و لكنني لا أدري من أين ظهرت هذه البقع !
- إنها في نفس المكان الذي كانت عليه في الصباح ، حتى لون الدم لا يزال فاتحا .
- هذا مريب ، مررت لينا إصبعها على السجادة لتتأكد من أن الدم حقيقي .
- لا أود أن أبقى في هذه الغرفة أبدا ، و نهضت جيهان تعتزم أن تغادر .
- إلى أين أنت ذاهبة بحق السماء ؟
- إلى أي مكان آخر ، سأرى إن كانت إحدى الفتيات تستطيع إستضافتي الليلة .
‌- ستثرين الشكوك حولنا إن فعلت ذلك
- لا أهتم ، ردت جيهان غاضبة .
- جيهان أرجوك لا تتخلي عني ، ليس الآن .
- و لكنني خائفة .
- و أنا خائفة مثلك ، لكن يجب أن نساند بعضنا .
و شعرت جيهان بتأنيب الضمير ، إذ كانت تنوي الفرار بأي طريقة ، ثم عانقت لينا بحرارة ، و هي تهمس في أذنها : - لا بد من وجود تفسير منطقي لكل هذا ، أ ليس كذلك ؟
- بالطبع ، طمأنتها لينا ، لا تسمحي للخوف بأن يسيطر عليك .
- لينا ، بقيت عشرون دقيقة فقط على غروب الشمس .
- إنتبهت إلى ذلك ، ما زال هناك أمل .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
و عادت لينا تنظف البقع من جديد ، بينما راحت جيهان تستمع إلى الموسيقى ، و مضت العشرون دقيقة في لمح البصر ، و زادت خفقات قلب لينا و هي تحدق في الباب آملة أن تدخل ريان ، بين الفينة و الأخرى . و لكن آمالها خابت للمرة الثانية هذا اليوم .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
دقت الساعة منتصف الليل ، عندما كانت كل من لينا و جيهان تحدقان في السقف ، و قد بلغ التوتر منهما مبلغا عظيما ، فلم يستطيعا النوم أبدا ، و كانت جيهان قد أصرت على أن تبقى الأنوار مضيئة ، و رغم ذلك لم تشعر بالراحة إطلاقا.
- ماذا الآن ؟ تمتمت جيهان .
- أنا أفكر ، أحاول أن أجد مخرجا لهذه المعضلة .
- هل يعقل أنها مخطوفة ؟
- لا تقفزي إلى الإستنتاجات هكذا .
- يحلو لي أن أتخيل ، بأنها هربت مع إلياس .
- سيكون الأمر أهون بكثير حينها ، ردت لينا في برود .
- أجل ، سيكون أهون من إختفائها الغير مبرر هكذا .
- للأمانة ، هذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها إلياس بمثل هذا التصرف .
- تقصدين الإتصال الكاذب ؟
- أوه كلا ، بل أقصد الإختفاء المؤقت من حياتي ، و تجاهل رسائلي و إتصالاتي .
- و رغم ذلك لا تزالين واقعة في حبه ؟!
- أجل للأسف ، و ظهرت على ثغرها نصف إبتسامة .
و رن هاتف جيهان فجأة ، فقفزت من سريرها بخفة ، إلا أن الغطاء كان ملتفا على ساقها ، فتعثرت به ، و وقعت ، فإصطدم رأسها بحافة المكتب ، و شعرت بألم رهيب ، و لكنها كتمت صيحتها . و سرعان ما تورمت جبهتها - و كان الهاتف قد توقف عن الرنين -
- هذا مؤلم ، تحسست جيهان جبهتها .
- لقد كان تصرفا أخرقا بالفعل ، كتمت لينا ضحكتها و هي تناولها كيس الثلج .
فوضعته جيهان على التورم ثم سألتها : - من المتصل ؟
- رقم مجهول ، ردت لينا في غير إكتراث .
- يا للسخافة ، كدت أُفقد رأسي بسبب هذا الإتصال المباغت .
- لقد كنت متوترة ، قالت لينا و هي تتفقد هاتفها ، و قد أثار الإتصال حماسك .
- هل تسخرين مني ؟
و رفعت لينا عينيها إليها ضاحكة و همت أن تقول شيئا ما إلا أن هاتف جيهان رن مرة أخرى ، و إمتقع لون وجهها ما إن قرأت إسم المتصل و يبدو أن جيهان شعرت بذلك إذ قالت في صوت خافت: هل هي ريان ؟  
و هزت لينا رأسها تلقائيا و قد تجمد الدم في عروقها .
- هذا مستحيل ، مستحيل ،تمتمت جيهان في فزع بالغ ، لقد رأيت هاتفها المحطم بعيني .
و حملت لينا الهاتف بين يديها و هي ترتجف ثم قالت : - هل أرد ؟
فصمتت جيهان و لم تقل شيئا .
و حدقت لينا في شاشة الهاتف للحظات ، ثم أجابت على الإتصال بعد أن رفعت الصوت ، و ساد صمت قاتل لعدة ثواني ، قبل أن تهمس جيهان قائلة : - ريان هل هذه أنت ؟
و لم يصدر أي صوت من الهاتف ، ف زادت حدة توترهما ، و فقدت لينا صبرها ، و صرخت : - ريان هل هذه مزحة ؟ 
و ما لبثت أن دوى صوت ضحكة رنانة في أرجاء الغرفة ،  لم يكن ليصدق أي أحد أنها صادرة من الهاتف وحده ، إذ بدى الأمر و كأن جدران الغرفة هي التي تضحك ، و لما كان الصوت عاليا و مزعجا غطت جيهان أذنيها بيديها و أغمضت عينيها ، بينما راحت لينا تحاول أن تنهي هذا الإتصال ، عبثا دون جدوى ، مما إضطرها لفصل البطارية عن الهاتف ، ف عاد الهدوء إلى الأرجاء .
- ما كان هذا بحق السماء ؟
و فتحت جيهان عينيها أخيرا ثم قالت : - إنني لا أفهم شيئا .
- و لا أنا ، و إن أكثر ما يثير حيرتي ، هو أنني شبه متأكدة ، من أن هذه ، هي ضحكتها ، فأنا معتادة على سماعها .
- و لكن هذا جنون ! ما الذي يدفعها لتقوم بمثل هذا التصرف الأحمق .
- لو كانت ريان من النوع المتهور الطائش المحب للمغامرة ، لبدا الأمر معقولا نوعا ما ، و لكن هذه التصرفات لا تماثل طباعها أبدا .
- لكن كيف إستطاعت الإتصال بنا ، وقد تحطم هاتفها ! - يا إلهي ، يا جيهان ،. لا تكوني بهذا الغباء أرجوك ، من الواضح أنها ما زالت تملك شريحة الهاتف .
- صحيح ، لم أفكر في ذلك .
و فكرت لينا للحظات قبل أن تقول : إن هذا الإتصال يرجح و بقوة إحتمال إختطافها .
- أ تظنين ذلك ؟ و هل من المنطقي أن يجبرها مختطفوها على الضحك ؟
- لا وجود للمنطق أبدا في هذه الأحداث ، ثم إن ضحكتها بدت طبيعية و عفوية إلى أقصى حد .
- يا إلهي ، أتمنى أن لا تكون ضحكتها الأخيرة .
فنظرت إليها لينا مصدومة ثم قالت : - إلى ماذا تلمحين ؟ - لا أدري ، و لكنني أخشى أننا لن نراها مرة أخرى أبدا .
و لم تزد لينا شيئا ،  و راحت تتجول في أنحاء الغرفة ، ثم وقفت مقابلة للنافذة ، تتأمل القمر الذي كان مكتملا تلك الليلة ، و قالت : - جيهان أرجو أن لا تسيئي فهمي، لكن يجب أن نزور ذلك الموقع مرة أخرى .
و رمت جيهان عليها إحدى الوسائد في غضب و هي تقول : - هل جننت ! إن كل هذا بدأ منذ نقرنا على ذلك الإعلان المشؤوم .

- أجل و لهذا يجب أن نفهم السبب .
- ماذا لو كان ذلك الموقع ملكا لعصابة تتاجر في البشر و تقوم بإختطافهم ؟
- أ لا ترين أنك إنجرفت مع خيالك قليلا ؟ - هل لديك تفسير آخر إذن ؟
- أخشى أننا نتعامل مع شيء من وراء الطبيعة .
- يا إلهي ، هل تؤمنين بهذه الأمور ؟
- ليس حقا ، و لكنني سمعت قصصا كثيرة .
- و تقولين أنني إنجرفت مع خيالي ؟ ماذا تسمين هذا إذن ؟
- لا أدري ، إن هذا يبدو التفسير الوحيد لما يحدث .
- و لكن هذا غباء ، ماذا فعلنا مثلا ؟ نحن لم نستدعي الأرواح ، و لم نحاول التحدث مع ماري الدموية ، نحن كنا بصدد مشاهدة فيلم لا أكثر .
- و لكننا كنا نحاول الإطلاع على المستقبل .
- أجل من خلال موقع إلكتروني ! أ لا ترين أن التكنولوجيا تتعارض قليلا مع عالم الأرواح ؟
- هذا ما أحاول إكتشافه ، و لكنك تقفين في طريقي .
- لأنني خائفة من العواقب .
و تنهدت لينا في حزن و قالت : - لا يمكننا الوقوف مكتوفي الأيدي .
- سننتظر أن تقوم الشرطة بعملها ، و سنعرف في النهاية ماذا حل ب ريان سواء كان خيرا أم شرا .
فإلتزمت لينا الصمت و ظلت تحدق في هاتفها .
- حسنا ، حسنا ، تأففت جيهان ، أعترف بأنني كنت ألقي باللوم عليك ، لأنك تركت العنان لفضولك ، لكنني إكتشفت الآن أن دخولنا إلى هذا الموقع و إختفاء ريان لم يكن سوى صدفة سيئة .
- أ تعلمين شيئا ، لقد تعبت من كل هذا ، إنها الثانية صباحا ، و نحن لم نحظى بقسط من النوم بعد .
- معك حق ، لقد تعبت أعصابي أنا الأخرى .
- تصبحين على خير ، همست لينا بعد أن إستلقت في فراشها .
و لم تمضي سوى دقائق حتى كان كلاهما يغط في نوم عميق .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
فتحت جيهان عينيها بصعوبة على صوت المنبه ، كانت السابعة صباحا ، و حاولت أن تتذكر ماذا حدث ليلة الأمس ، و لكن الصداع الرهيب الذي كانت تشعر به ، منعها من التفكير في أي شيء ، فوقفت و توجهت نحو حوض المياه ، و لكن ما إن نظرت إلى المرآة حتى أطلقت صيحة مدوية ، أفاقت لينا على أثرها .
- ماذا هناك ؟ 
أشارت جيهان بيدها إلى السجادة .
- يا إلهي ، لقد عادت البقع اللعينة مجددا .
- ماذا يعني هذا ؟؟؟
فركت لينا عينيها تحاول أن تتخلص من بقايا النعاس ثم قالت : - لا أعلم و لكنني سأتخلص من هذه السجادة اليوم .
- إن هذا أمر غير مطمئن أبدا .
- لا تفكري فيه كثيرا و ستكونين بخير .
جهزت كل من جيهان و لينا نفسيهما ثم إتجهت كل واحدة إلى كليتها ، و عند حلول وقت الغداء ، تم إستدعاءهما إلى الإدارة ، حيث طرحت عليهما الشرطة بعض الأسئلة التي تتعلق بعلاقتهما مع ريان ، و إستطاعت لينا أن تفهم من كلام الضابط أن ريان لم تتصل بعائلتها و أنهم لا يملكون فكرة عن مكان تواجدها .
و شعرت لينا بالقليل من الحرج و هي تسأل : - هل عرفتم في أي ساعة خرجت من الإقامة ؟
- لا لم نعرف ، كان جواب الضابط مقتبضا .
- ماذا عن تسجيلات الكاميرا ؟
- لم تظهر فيها الآنسة ريان على الإطلاق .
و لم تتمالك جيهان نفسها و أطلقت صيحة خافتة ثم قالت : - هل هذا يعني أنها لا تزال في الإقامة ؟
- نعم ، على الأرجح .
- و لكن أين هي بحق السماء ؟
- هذا ما نحاول إكتشافه يا آنسة جيهان . ~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
- إن الأمور بدأت تتضح قليلا ، قالت لينا و هي تتناول طعامها برفقة جيهان في المطعم الجامعي .
- أ تظنين هذا ؟ - أجل ، إنها لم تخرج من الإقامة ، و هذا يقلص الإحتمالات .
- لا أعتقد هذا ، ما زلنا لا نعلم ما الذي حدث لها بالضبط .
و شعرت لينا بأن الفتيات اللواتي يجلسن بقربها بصدد التنصت عليهما ، فإقتربت قليلا من جيهان و قالت : - هل كان لها أعداء ؟
- يا إلهي ، ما الذي يدفعك لقول هذا ؟ 
رفعت لينا كتفيها قائلة : - أنا في هذه الإقامة منذ ثلاث سنوات ، و لم يسبق أن إختفت إحدى الفتيات هكذا .
- إلى ماذا ترمين ؟
- إن الأمر مدبر ! لا بد أن لها عداوة مع إحدى البنات ! - هل أنت جادة ؟
- كل الجدية ، إن فتيات القسم (ب )خطيرات جدا .
و شهقت جيهان بصوت مسموع قبل أن تقول : - يا إلهي ، هل تعنين أنها تورطت في المخدرات ؟
- أجل على الأغلب ، ربما كانت تدين لهن بالمال .
- و لكن لن يصل الأمر إلى القتل ! لم يسبق أن حدث هذا .
- إن كل شيء ممكن مع هؤلاء المدمنات ، كما أننا لم نتأكد بعد إن كانت قد قُتِلَت .
و صدرت هزة صغيرة من هاتف جيهان ، إذ كان على الوضع الصامت .
- أوه وصلتني رسالة نصية .
و لم تبدي لينا إهتماما لهذه الرسالة ، حتى رأت وجه جيهان يصطبغ .
- ماذا الآن ؟ سألت في غير إكتراث .
و تغرغرت عينا جيهان بالدموع و هي تقول : إنه الإعلان المشؤوم مجددا .
- يا إلهي هل أنت جادة ، و سحبت لينا الهاتف من يدها .
- أرجوك لا تضغطي عليه ، توسلت جيهان بصوت خافت ، لم أعد أرغب في معرفة مستقبلي أبدا .

- الفصل الثالث : 






تعليقات